• !
الدكتور/ طارق بكر قزاز

ممارسة الفنون والمشاركة الثقافية حق لكل فرد - تكفله الاتفاقيات الدولية

ممارسة الفنون والمشاركة الثقافية حق لكل فرد - تكفله الاتفاقيات الدولية
ترجمة جزء من وثيقة اليونسكو (خارطة الطريق للتربية الفنية)
ممارسة الفنون والمشاركة الثقافية حق لكل فرد - تكفله الاتفاقيات الدولية
وتعمل التربية الفنية على تلبيته

ترجمة/ د. طارق بكر قزاز

إن الإعلانات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والهادفة إلى ضمان حق كل طفل وبالغ في التعليم، وتأمين الفرص المتساوية التي تضمن للفرد النمو الكامل والمتناسق، والمشاركة في الحياة الثقافية والفنية، ترشد إلى المنطلقات الأساسية للتربية الفنية، وأنها من الأهمية كما ويجب أن تكون جزءاً إلزامياً في البرامج التعليمية للدول الموقعة على هذه الحقوق.

وتعتبر الثقافة والفنون مكونان أساسيان للتربية الشاملة المؤدية إلى تطوير الفرد. لذلك فإن الحصول على قدر من المعرفة بالفنون هو جزء من الحقوق الإنسانية العالمية، لكل من له حق في التعليم، بما فيهم أولئك الذين يتم تنحيتهم في العادة من الاهتمام بالتعليم مثل المهجرين والأقليات والمعاقين. وتنعكس هذه التأكيدات في الجمل التالية من وثيقة حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
المادة 22: لكل شخص بصفته عضواً في المجتمع الحق في ضمانة ... الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته.
المادة 26: يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العرقية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
المادة 27: لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في الحياة الثقافية للمجتمع وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه.

اتفاقية حقوق الطفل:
المادة 29: توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو: (أ) تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها...
المادة 31: ... تحترم الدول الأطراف (الموقعة على الاتفاقية) وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمام، وأنشطة أوقات الفراغ.


وفي جانب تطوير قدرات الأفراد، تفيد الأبحاث الحديثة، بأن لكل فرد إمكانيات إبداعية، ويمكن للتربية الفنية أن تشغل المتعلمين من خلال البيئة الجمالية والممارسات الفنية، للانخراط بشكل نشط في تذوق التجارب الإبداعية والتعرف على التقنيات والأساليب الفنية للمشاركة في تطوير الأفكار. حيث تشير الأبحاث إلى أن دمج التجارب الفنية بالتراث الحضاري للمتعلم من خلال التقنيات والأساليب الفنية، يفيد في غرس الحواس الإبداعية والمبادرة وتنمية الخيال الخصب والذكاء العاطفي والاتجاهات الأخلاقية والقدرات النقدية، مما يعكس استقلال شخصيته والحرية في التفكير والعمل. والتربية من خلال وبواسطة الفنون تحفز النمو المعرفي ويمكن أن تعمل على تكوين علاقة بين من يتعلم وما يتعلمه ليصبح أكثر ارتباطا بحاجات المجتمع الحديث الذي سيعيش فيه.

وتوضح الأدبيات التربوية الحديثة بشكل شامل ذلك الأثر الواسع، على الفرد من خلال التربية الفنية وموضوعاتها ومجالاتها، عند الاهتمام بتنمية التذوق وتقدير الفنون وتطوير الممارسة الفنية والمعرفة بالفن كنشاط إنساني تطور عبر التاريخ، بمنظور قد لا يكتشف من خلال الوسائل التربوية الأخرى.

ولكي يتمكن الأطفال والبالغين من المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية، فإنهم بحاجة إلى التعليم التدريجي لفهم وتقدير وتجربة التعبير الفني المنتج بأيديهم وبواسطة الفنانين، ما يمكنهم من استكشاف وتبادل الأفكار بشأن مختلف الجوانب الوجودية من أجل التعايش. وذلك بهدف إعطاء الأفراد فرص متساوية للاستمتاع بالنشاط الثقافي والفني، لذلك فإن التربية الفنية يجب أن تكون جزءاً من التعليم الإلزامي للجميع. وينبغي أن يكون لتربية الفنية منهجية بحيث يتم تقديم محتواها على مدى تدريجي عبر السنوات بما أن الفنون عملية تنموا على المدى الطويل.

وتسهم التربية الفنية في التربية والتعليم من خلال دمج المادة العلمية والفكرية والقدرة الإبداعية وبجعل العلاقات ممكنة وأكثر ديناميكية ومثمرة بين التربية والثقافة والفنون. ولهذا أهمية خاصة في مواجهة التحديات الراهنة في مجتمع القرن الحادي والعشرين، (وعلى سبيل المثال، نتيجة للتغيرات الاجتماعية التي تؤثر في على بنية الأسرة والتي غالبا ما تحرم الأطفال من اهتمام الوالدين، بالإضافة إلى ما ينتج عن نقص التواصل وبناء العلاقات الأسرية، مما ينتج عنه مجموعة من المشكلات العاطفية والاجتماعية المتنوعة عند الأطفال، بالإضافة إلى أن عملية نقل التقاليد الثقافية والممارسات الفنية عن طريق البيئة الأسرية أصبح من الصعوبة، لاسيما في المناطق الحضارية.

لذلك نجد اليوم، أن هناك فجوة متزايدة بين الجوانب المعرفية والوجدانية، التي تعكس زيادة التركيز في بيئات التعلم على المهارات المعرفية. وقد وضعت قيمة أقل للجوانب الوجدانية والعواطف، ووفقا للأستاذ أنطونيو داماسيو، فإن هذا الاهتمام الشديد بتنمية المهارات المعرفية على حساب الجوانب الوجدانية يشكل عاملا في تراجع السلوك الأخلاقي في المجتمع الحديث. ولذلك فإن معالجة الجوانب الوجدانية يجب أن يكون ضرورة وجزء لا يتجزأ من عملية صنع القرار في التعليم لتعمل العواطف كموجه للأفكار والسلوك، ولتكون أساس الخيال والتذوق. وبدون المشاركة الوجدانية فإن أي سلوك أو أفكار أو قرارات سوف تكون مبنية على أساس عقلاني ضعيف. إن السلوك الأخلاقي السوي، والذي يشكل الخلفية المتينة للمواطن، يتطلب المشاركة الوجدانية. ويشير البروفيسور داماسيو إلى أنه في إمكان التربية الفنية من خلال تنمية الانفعالات العاطفية، يمكنها إحداث توازن أفضل بين النمو المعرفي والنمو الوجداني، وبالتالي المساهمة في دعم ثقافة الإنسان نحو السلام.

إن مجتمعات القرن الحادي والعشرين تتطلب بشكل مضطرد المزيد من القوى الإبداعية المرنة القابلة للتكيف والابتكارية، وأنظمة التعليم في هذه الظروف بحاجة إلى تطوير يواكب الظروف المتغيرة، بحيث تكون التربية الفنية قادرة على تزويد المتعلمين بتلك المهارات لتمكينهم من التعبير عن أنفسهم، وجعلهم قادرين على نقد وتقييم الأشياء في محيطهم، والمشاركة بنشاط في مختلف جوانب الوجود البشري.
بناء على المباحثات أثناء وبعد المؤتمر الدولي الأول حول التربية الفنية المنعقد في الفترة من 6 إلى 9 مارس 2006 بمدينة ليسبون البرتغالية، وما نتج عن تلك المباحثات من تبني وثيقة خارطة الطريق للتربية الفنية والتي تهدف إلى استكشاف دور تعليم الفنون في تحقيق الحاجة إلى تنمية الإبداع والوعي الثقافي في القرن الحادي والعشرين للتأكيد على الاستراتيجيات المطلوبة لإبراز دور التربية الفنية والارتقاء بها في البيئة التعليمية.

وقد صممت هذه الوثيقة للعمل على رفع مستوى الفهم العام لدى المراهنين على أهمية التربية الفنية ودورها الرئيسي في تطوير نوعية التربية، لمحاولة التعرف على المفاهيم وتحديد ماهية الممارسات الصحيحة في مجال التربية الفنية، وفيما يخص معايير التطبيق فإن وثيقة خارطة الطريق للتربية الفنية تعمل كدليل يحدد للجهات الرسمية وغير الرسمية، التغيرات والخطوات المطلوبة لتطوير التربية الفنية والارتقاء بها، ولتؤسس الإطار العام حول القرارات المستقبلية وما يجب فعله في هذا المجال.

هناك العديد من النقاشات فيما يخص الغايات المرجوة من التربية الفنية. وقد ساقت نقاشات المؤتمر الدولي الأول أسئلة عديدة من أبرزها:
1- هل الهدف من التربية الفنية هو تنمية تقدير الفن أم أن التربية الفنية يمكن أن تكون وسيلة لتحسين القدرة على التعلم بشكل عام؟
2- هل يجب أن تكون التربية الفنية ميدان ممارسة فقط أم من الممكن أن تكون ميدان معرفي لتسهم في كيان المعرفة الكلية، أم أن تكون التربية الفنية ميدان لتعليم المهارات والقيم، أم أنه يمكن تعليمها من خلال كل ذلك؟
3- هل يمكننا تعليم التربية الفنية للموهوبين في مجالات فنية معينة، أم لجميع الطلاب بمختلف مستوياتهم؟

وقد كانت مثل هذه القضايا مركزية في تحديد مداخل تناول التربية الفنية من وجهة نظر الممارسين والمدرسين والطلاب وواضعي السياسات التعليمية. وخارطة الطريق للتربية الفنية، بين أيدينا، تحاول تحديد إجابات شاملة للتساؤلات المختلفة والتأكيد على أهمية جعل الإبداع والتطور الثقافي وظائف أساسية في التربية من خلال التربية الفنية.
__________________
الدكتور/ طارق بكر قزاز
 0  0  2.9K
التعليقات ( 0 )
أكثر
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 05:17 مساءً الخميس 28 مارس 2024.
Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

RESHTI.COM 18/05/2007 - 2023 للتواصل : 00966560077773 / reshti@reshti.com