• !
حسن الزهراني

عن حسن الزهراني

معلم تربية فنية بمدرسة ابن الرومي الثانوية بأجيال - الدمام http://alzahrani.bio/

الخط العربي عند الأتراك

الخط العربي عند الأتراك
علي آلب أرسلان
فن الخط من أكثر أنواع الفنون الإسلامية جاذبية؛ ولا غرو في ذلك فجذور الخط العربي الذي تستخدمه الأمم الإسلامية القاطنة في مساحة جغرافية شاسعة - تمتد من المحيط الأطلنطي حتى إندونيسيا - يعود إلى أبجدية قوم من أصول عربية يطلق عليهم "الأنباط"، عاشوا في شمال غرب الجزيرة العربية، أو ما يسمّى اليوم أراضيَ فلسطين والأردن في القرن السادس قبل الميلاد.
وهذه الأبجدية أو الخط انتشرت أولاً في وسط شبه الجزيرة العربية ثم إلى أرجاء المنطقة العربية كافة(3). وهذا الخط الذي يمتاز بكثرة زواياه وتقل استدارته قد طرأ عليه تطور بطيء؛ حتى أصبح مقروءاًَ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما لا شك فيه أن ظهور الإسلام كان سبباً لبروز الخط العربي. وقد أولى القرآن الكريم القراءة والكتابة اهتماماً بالغاً. والحقيقة أن أول خطاب من الله تعالى موجه إلى بني الإنسان هو أمره تعالى: {اقرأ}. كما أن القلم - الذي هو أداة للكتابة - أيضاً لقي اهتماماً مماثلاً، وأعلى الله قدره، حيث قال الله تعالى في سورة العلق: {اقًرأً بٌاسًمٌ رّبٌَكّ الذٌي خّلّقّ <ه1ه> خّلّقّ الإنسّانّ مٌنً عّلّقُ ><ه2ه> اقًرّأً ورّبٍَكّ الأّكًرّمٍ ><ه3ه> الذٌي عّلَّمّ بٌالًقّلّمٌ ><ه4ه> عّلَّمّ الإنسّانّ مّا لّمً يّعًلّمً} لعلق: 1 - 5]. والحقيقة أن القلم من أقوى الوسائل التي تقوم بنشر عقيدة التوحيد. وهذه الآيات التي كانت أولى ما نزل من الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، تشير إلى مقدار أهمية القلم، وكيف أنه العنصر المهم في رقي البشرية. وجاء في الآية الأولى من سورة القلم قول الله تعالى: {ن» والًقّلّمٌ ومّا يّسًطٍرٍونّ} : 1]؛ أي: أنني أشهد الدواة والقلم على ما كتبته مشيراً إلى أهميتهما. وقد "فسر المفسرون النون بالدواة". والمقصود من الدواة ما بها من الحبر. والقلم والحبر يمثلان نشر العلم في العالم. وتتضح أهمية هاتين السورتين أكثر بالجهود التي بذلها المسلمون في كتابة الوحي، وحفظ القرآن الكريم بالكتابة ونشره عن طريقها. ومما لا شك فيه أن أي مسلم يود أن يُكتب كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بأجمل خط وأحسنه. وليس هناك شيء طبيعي أكثر يماثل نظرة المبدع إلى الخط بهذا المنظار.
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، كان أول شيء قام به تخصيص صحن المسجد مكاناً لتعليم القراءة والكتابة، وتعليم القرآن الكريم. بل إنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأسرى في غزوة بدر من المشركين ممن يعرفون القراءة والكتابة، أن من قام منهم بتعليم الكتابة لعشرة رجال من المسلمين، فسيكون ذلك فدية فك أسره.
وعلى الرغم من عدم حدوث تغير ذي بال في الكتابة في عهد الخلفاء الراشدين إلا أنه يلحظ من خلال بعض الوثائق المحدودة التي وصلت من ذلك العهد أن هناك تطوراً طفيفاً في هذا الصدد. وهذه الوثائق عبارة عن بعض المسكوكات وأوراق البردي ولوحة كتابة حجرية.
أما المصاحف المكتوبة على الرق، التي وصلت إلينا منذ عهد الخلفاء الراشدين، وهي أيضاً وإن كانت تعدّ من أهم الوثائق؛ إلا أن الباحثين لم يتفقوا على أسماء النساخ ولا على التواريخ التي نسخت فيها. فالمصاحف التي نسبت إلى عثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهما - لا تخص عهديهما.
ولما بدأت حدود الدولة الإسلامية تتجاوز منطقة الحجاز بسبب الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين بدأ إطلاق أسماء المدن المهمة على الكتابة. فالخط الذي كان يسمى من قبل "المكي والمدني" أصبح يطلق عليه بعد فترة "الحجازي" نسبة لاسم المنطقة، و"الخط البصري" نسبة للبصرة. وبعد إنشاء مدينة الكوفة عام 638م صلى الله عليه وسلم 17هـ] وقيام علي ] باتخاذها مقراً سياسياً وعسكرياً وعلمياً، شهدت الكتابة هناك تطوراً كبيراً. ويظن أن السريان الذين كانوا يعيشون في العراق، وكانوا مهرة في الكتابة بخطوطهم قد أدّوا دوراً في تطوير الكتابة الإسلامية أيضاً بعد دخولهم الإسلام، وأبدوا المهارة نفسها في الكتابة. إذ إن الكتابة العربية التي وضعت لها القواعد - إلى حد ما - حملت العديد من الأسماء إلى أن دخلت مدينة الكوفة فحملت هذه المرة اسم (الخط الكوفي) نسبة إليها، وبدأ هذا الخط يذكر بالإسم الجديد منذ ذلك التاريخ. حتى إن لفظ "الكوفي" قد اكتسب معنى عاماً، لدرجة أنه حلّ محلّ أسماء الخط المختلفة التي ذكرناها، مثل: الخط المكي أو المدني وغيرهما ممّا استخدم في مختلف الفترات، وظـل ذلك حتى زمن الخطاط العباسي المشهور ابن مقلة (ت 328هـ/940م). أما في زمن ذلك الخطاط وبالرغم من ظهور ستة أنواع من الخطوط حتى ذلك العهد، إلا أن الخط الكوفي لم يحافظ على استمرار اسمه على مسرح التاريخ وحسب؛ بل إنه استمر أيضاً إلى عهدنا الحاضر عنصراً للزينة(4).
ولما أعلن الأمويون خلافتهم في الشام، وانتقلوا إلى سدة حكم الدولة الإسلامية انتقلت إليها أيضاً الحياة السياسية والعلمية، فأخذ الخط العربي هذه المرة اسم "الشامي". إلا أن ذلك لم يكن شيئاً آخر سوى الخط الكوفي. ومما اتفقت عليه المصادر بصفة عامة أنّ الخطاط المشهور قطبة المحرر - الذي عاش في العهد الأموي - قد غيَّر في الخط الكوفي وأعطاه أشكالاً، فأوجد منه أربعة أنواع من الخطوط. ولم يذكر ابن النديم أسماء تلك الخطوط، بل ذكر القلقشندي اسمين اثنين منها فقط، وهما: "الجليل" و"الطومار". أما سي. هوارت (C. Huart) فقد ذكر أن هذه الأنواع من الخطوط هي: الجليل والطومار والثلث والنسخ. وعلى الرغم من عدم وجود أي نموذج من خطوط قطبة بين أيدينا، إلا أنه يمكننا القول: إن قطبة قد غير الخط الكوفي تغييراً طفيفاً، وشكل منه بضعة أنواع من الخطوط.
وفي العهد الأول من العصر العباسي (132-656هـ/ 749-1258م)(5) نجد أن الخط الكوفي قد تعرض لتغيرات جذرية في بنيته؛ حيث نشأ منه ما يطلق عليها "الأقلام الستة". وهي ستة أنواع من الخطوط: المحقق، والريحاني، والثلث، والنسخ، والتوقيع، والرقعة. وبعد قرن من الزمان؛ أي: في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، دخلت مرحلة جديدة بظهور نشأة الخطاط العربي البغدادي ابن مقلة (ت 328هـ/940م). فقد قام هذا الخطاط - من خلال علمه بالهندسة - بوضع القواعد لستة أنواع من الخطوط، فحدد القياسات الأساسية لكل نوع منها. وبعد قرن من الزمان أصبحت الأقلام الستة تشابه شكلها الحالي نوعاً ما على يد خطاط بغدادي آخر هو ابن البواب (ت 423هـ/ 1032م). وصارت هذه الخطوط أكثر جمالاً بعد قرنين من الزمان، واستقرت قواعدها أكثر من خلال الجهود التي بذلها وتفنن فيها خطاط من أصل تركي، ألا وهو ياقوت المستعصمي (618-698هـ/ 1221-1298م)، الذي كان خطاطاً لقصر الخليفة العباسي المستعصم. وبعد زوال العباسيين من على مسرح التاريخ في عام (656هـ/1258م) انتقل التفوق في الخط إلى الأتراك والفرس. وعلى الرغم من ذلك فلابد من أن نعدّ الخطاطين الثلاثة الذين ذكرناهم بأنهم مجددون كبار؛ حيث عملوا على الكتابة في اتجاهها الصحيح خلال العصر العباسي. فخلاصة القول: إن الخط العربي قد أخذ شكله الأول على يد الفنانين العرب. وبدءاً من القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري) تطور الخط على يد الخطاطين الذين نشؤوا في الأناضول وإيران.
كان الخط الكوفي ثم الأقلام الستة أهم الخطوط في العالم الإسلامي. أعقبها بالترتيب: خط التعليق (التعليق القديم)، وخط النستعليق (ويطلق عليه الأتراك التعليق)، ثم الخط الديواني، والخط الجلي الديواني، وخط الرقعة. ولنعد الآن إلى الوراء لنستعرض التطور الذي شهدته تلك الخطوط في العالم التركي، على أن نبدأ بالخط الكوفي. ولم يستخدم من تلك الخطوط خط التعليق القديم في بلاد الأناضول والعالم العربي.
الخط الكوفي
تطور هذا الخط في بدايته بشكل بسيط، ثم طوره خطاطون من الشعوب التي دخلت في الإسلام، وكان يستخدم بشكل كبير في المباني التاريخية وفي الكتب. وظهر من هذا الخط أنواع رائعة، ولا سيما النوع الذي يطلق عليه "الكوفي المورق". وقد اتخذ الخط الكوفي المكتوب في البلاد الإسلامية الشرقية مظهراً أكثر جاذبية بالمقارنة بالخط الكوفي المكتوب في المغرب.
وفي الوقت الذي دخل فيه الأتراك الإسلام، كان الشيوع للخط الكوفي. وعلى الرغم من أن أسرة الطولونيين التي حكمت مصر وسوريا والعراق (868-905م) صلى الله عليه وسلم 255-292هـ]، وأسرة الإخشيديين التي حكمت مصر وسوريا (935-969م) 323-358هـ] كانتا أسرتين تركيتين؛ إلا أن أهالي تلك البلاد لم يكونوا كلهم من الأتراك، ولذلك فلا نعرف خطاطا تركياً برز في تلك البلاد. والحقيقة أن السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى أن الأتراك كانوا يحملون أسماء عربية، وليست تركية. فبنو قره خان (992-1211م) 382-608هـ] الذين شكلوا إحدى الدولتين التركيتين في آسيا الشرقية، قد بدؤوا في الدخول إلى الإسلام في حوالي عام (940م) صلى الله عليه وسلم 328هـ]. وبدؤوا باستخدام الخطين الكوفي والنسخ معاً في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية التي كانوا يحكمونها. والوضع يتكرر في الدولة التركية الأخرى، وهم الغزنويون (963-1186م) صلى الله عليه وسلم 352-581هـ]. وقد تركوا آثاراً رائعة مكتوبة بالخط الكوفي المورق في خراسان وشمال الهند على وجه خاص. والخط الكوفي المورق المكتوب على قبر صلى الله عليه وسلم السلطان] محمود الغزنوي غاية في النمطية.
وقدم سلاجقة إيران (1038-1194م) 429-591هـ] الذين أتوا بعدهم آثاراً في الاتجاه ذاته. ونجد انحساراً قليلاً في استخدام الخط الكوفي عند سلاجقة الروم (1077-1307م) 469-707هـ]، وحلّ محله خط الثلث الجلي. وهناك العديد من نماذج هذا الخط في مدرسة قاراطاي (1251م) صلى الله عليه وسلم 649هـ] بمدينة قونيا، ومدرسة المئذنة الرفيعة صلى الله عليه وسلم إينجه منارة] (1264م) 662هـ]. وكما سيتضح فيما بعد فإننا نصادف أسماء خطاطي الخط الكوفي فقط بدءاً من أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري).
والخط الكوفي المزيَّن به باب الجامع الأخضر صلى الله عليه وسلم يشيل جامي] في بورصا الذي بني في العهد العثماني عام (1419م) 822هـ] يمثل عنصراً للزينة. كما أن الخط الكوفي المورق على باحة الفناء بجامع الفاتح في إستانبول، وكذلك نماذج الخط الكوفي المورق في إيوان قصر القاشاني جيني لي كوشك] تحمل التسمية نفسها.
ولم يستخدم هذا الخط مدة طويلة، بعد المحاولات التي قام بها على النماذج الورقية الخطاط القره حصاري، أكبر خطاطي عهد السلطان سليمان] القانوني. ولقد حاول محمد توفيق أبو الضياء الصحفي والكاتب المشهور في عهد السلطان عبدالحميد الثاني (1259هـ/ 1843م)(6) إحياء الخط الكوفي من جديد. فقد صب حروف هذا الخط في مطبعته، وطبع بها عناوين الكتب، كما كتب به الحزام الموشح لجامع يلدز في إستانبول]، وأعطى بذلك مثالاً رائعاً للكوفي المزركش. يضاف إلى ذلك أنه كتب أيضاً عبارة "بوسطه وتلغراف نظارتي" (نظارة البريد والبرقية) على مبنى البريد الكبير في إستانبول، كما كتب عبارة "آثار عتيقه موزه سي" (متحف الآثار العتيقة) على مبنى متحف الآثار، وكذلك عبارة "خان سواكيميان وآواكيميان" على المبنى المقابل لمحطة الركاب في حي قره كوي من إستانبول.
وبعد ذلك، وفي أوائل القرن العشرين الميلادي (القرن الرابع عشر الهجري) جاء بلطه جي أغلو (استخدم لنفسه اسم إسماعيل بعد عام 1950م)، الذي عمل مديراً لجامعة إستانبول، وعميداً لكلية الآداب، وعضو هيئة تدريس الفن الإسلامي بكلية الإلهيات (1886-1978م) 1283-1398هـ]، وتعلم الخط من سامي أفندي وكامل أفندي، واشتغل بالخط الكوفي أيضاً. وقد كتب بالخط الكوفي المورق عبارة "دار المعلمات العالية" في عام 1905م هـ] على المبنى المخصص لها في حي جابا بإستانبول. وفي زمننا هذا فإن الأستاذ الدكتور أمين بارن (1913-1987م) 1331-1407هـ] - أستاذ الكتابة اللاتينية وأخصائي مادة فن التجليد في أكاديمية الفنون الجميلة بإستانبول - قدم نماذج متنوعة عدة من الخط الكوفي الرائع، الذي بدأ الكتابة به بعد عام 1960م ـ]، وأضفى عليه تعليقات جديدة.
وبعد أن رأينا التغيرات والتطورات التي طرأت على الخط الكوفي يمكننا الآن الانتقال إلى الأقلام الستة التي نشأت منه.
الأقلام الستة
على الرغم من عدم وجود أدلة قطعية، فإن المعلومات التي استقيت من المصادر دلّت على أن الخط الكوفي قد تعرض لبعض التعديلات في نهايــات العهــد الأمــوي، وأن التطور الحقيقي حصــل - فيما يبدو - في عهد الخليفة المأمون (198-218هـ/813-833م). ونتيجة لهذا التعديل فقد ظهرت أنواع ستة من الخطوط، أُطلق عليها اسم "الأقلام الستة"، - كما سبق أن ذكرنا - وهي: المحقَّق، والريحان (الريحاني)، والثلث، والنسخ (النسخي) والتوقيع، والرقعة. والخطاط الذي يكتب بأحد هذه الخطوط - التي تختلف اختلافاً بسيطاً عن بعضها الآخر - يمكنه أن يكتب بغيره بسهولة؛ ولهذا السبب وجدنا من الأنسب أن نشرحها مجتمعة تحت اسم الأقلام الستة؛ بدلاً من استعراض تاريخ كل واحد منها على حدة، وذكر الخطاطين الذين اشتهروا بكل واحد منها بشكل منفصل. ويجدر بنا أن نذكر هنا أن الخطاطين الذين نهضوا بهذه الخطوط، وطوروها هم الأتراك والفرس، ولأنه لم يسجل هذا النوع تطورًا ذا بال في البلاد الإسلامية الأخرى فإننا مضطرون لأن نحصر معلوماتنا في الساحة التركية والإيرانية والخطاطين فيهما.
وبعد أن ذكرنا خصائص هذه الخطوط فلنذكر الآن تطورها التاريخي:
تتكون الأقلام الستة في الأصل من ثلاثة خطوط، هي: المحقَّق، والثلث، والتوقيع. فإن كتبت هذه الخطوط بحجم صغير فإنها تسمى الريحاني والنسخ - وهناك فروق بارزة إلى درجة ما بين الثلث والنسخ - والرقعة.
وكان أسلوب ياقوت - الذي ذكرناه آنفاً - قد لقي رواجاً من الكل، واتُّبِع بنجاح كبير ولا سيما في إيران والأناضول. إلا أن أسلوبه هذا استمر في إيران حتى عهد الصفويين، ثم تحول خط النسخ إلى شكل قريب يذكرنا بالخط المسمى النستعليق. أما فرع أسلوب ياقوت الذي انتقل منه إلى الأناضول، فقد استمر في إحراز النجاح هناك حتى عهد محمد الفاتح، ثم تعرض لتغيير على يد الشيخ حمد الله خطاط صلى الله عليه وسلم السلطانين] محمد الفاتح وبايزيد الثاني، وقد بلغ هذا الخط إلى ذروة الجمال والروعة بفضل المدرسة التي أسسها أحمد القره حصاري والحافظ عثمان بعد ذلك.
وقـــد سبــــق أن ذكـــرنــا التـغيـيــرات التــي أجــراهــــا ابــن مقلــة (ت 328هـ/940م) في مقاييس الخط العربي، وكان ذلك تجديداً. إلا أننا لا نملك في الوقت الراهن نماذج من تلك التغييرات التي انعكست على الخط؛ أي: أنه لم تصل إلينا حتى اليوم أي كتابة منه.
لقد اتبع أسلوب ابن البواب في الخط في أوائل الدول الإسلامية والتركية الإخشيديون الذين حكموا مصر وسوريا (935-969م) 323-358هـ] والقره خانيون الذين حكموا في ما وراء النهر وتركستان الشرقية (992-1211م) 382-608هـ]، والغزنويون في خراسان وأفغانستان وشمال الهند (963-1186م) 352-582هـ]، والسلاجقة العظام في إيران (1038-1186م) 429-582هـ]، خلال المئة والخمسين سنة الأولى من حكم سلاجقة الروم (1077-1307م) 469-707هـ]، فكان هؤلاء جميعهم قد اختاروا أسلوب ابن البواب في الخط. واستمر تأثير ذلك ثلاثمئة سنة تقريباً، حتى زمن ياقوت (1221-1298م) 618-698هـ]، الذي وُصف بالمجدد الثالث في خطوط الأقلام الستة، فقد أضفى على الحروف طابعاً حيوياً وقوياً، وفتح باب التطوير من الناحية الجمالية.
ويفترض أن يكون أواسط القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) بداية لتاريخ الخط عند الأتراك، وهو تاريخ دخول الأتراك في الإسلام، ولكن كما ذكرنا سابقاً فإنه بسبب استخدام الأتراك والفرس للأسماء الشخصية العربية أصبح تحديد قومية الخطاطين من الصعوبة بمكان. ونعلم من المؤرخ الفارسي محمد بن علي بن سليمان الراوندي في كتابه "راحة الصدور وآية السرور" أن آخر حكام دولة سلاجقة العراق طغرل الثاني (1177-1194م) 573-590هـ] كان يحب العلم والفنون، وكان يحمي العلماء والفنانين ويرعاهم، وكان خطاطاً كتب نسخة كاملة من المصحف.
وكان أسلوب ياقوت قد لقي القبول في العالم الإسلامي خلال حياته، وتطور هذا الأسلوب في إيران قليلاً، وشهد تطوراً كبيراً في الأناضول. أما في غيرهما من البلاد الإسلامية فلم يطرأ فيه تغيير يذكر، وكانت صناعة الكتب وفنون الكتابة قد شهدت تقدماً كبيراً في عهد التيموريين بإيران (1370-1415م) 772-818هـ]. وكان سلاطين التيموريين ووزراؤهم وكبار أركان دولتهم يرعون الفنانين. وكان جمال خط "باي سنغور" (1399-1433م) 801-836هـ] حفيد تيمور، في تلك المنطقة بشكل خاص ملفتاً للنظر. إذ إنه اهتم بفنون الخط والتذهيب والتجليد والرسم والتصوير في المعمل الذي أنشأه في قصره لما كان والياً في هرات. وكان هناك بعض الفنانين من أتراك تبريز، وكان حفيد تيمور الآخر - إبراهيم سلطان - خطاطاً أيضاً.
وفي الفترة التالية؛ أي: في الفترة الأولى من زمن الصفويين (1501-1786م) صلى الله عليه وسلم 907-1200هـ] استمر الخط بأسلوب ياقوت، إلا أنه لم يحرز فيه أي حيوية أو تطور. وكما سبق أن ذكرنا، فإن خط النسخ بات يشبه خط النستعليق. كما أن أفغانستان التي بقيت تحت التأثير الإيراني وكذلك الهند الإسلامية لم يظهر فيهما تطور ملحوظ في أنواع الخطوط الستة. وكما هو معلوم فإن الإداريين الصفويين كانوا أتراكاً. كما أن آذربيجان الواقعة في الجهة الغربية من إيران يقطنها الأتراك. ولا يجانبنا الصواب إذا قلنا: إن كل الملقبين بلقب "تبريزي" من الخطاطين هم أتراك.
وقد بقي أسلوب هذا الخط ذاته معمولاً به في عهد الأفشاريين (1736-1795م) 1149-1210هـ]، وعهد القاجاريين (1779-1924م) 1193-1342هـ]، الذين أتوا بعد الصفويين في إيران.
ولا يمكن المرور بالموضوع دون الإشارة إلى البابوريين، أو الإمبراطورية الهندية - التركية (1526-1858م) 932-1274هـ] الذين أنشؤوا إمبراطورية كبيرة في الشرق؛ فكما هو معلوم فإن مؤسس هذه الدولة ظاهر الدين بابر (1526-1530م) 932-936هـ] كان شاعراً تركياً وصاحب مذكرات سماها "بابر نامه"(7). وإضافة إلى كونه رجل دولة، فقد اشتغل بالنظم والنثر أيضاً، وألف أبجدية عام (1505م) 911هـ] عندما كان حاكماً لأفغانستان في كابول، عرفت بـ "خط بابر"، وكتب به القرآن الكريم. وهذه النسخة من المصحف الشريف توجد اليوم في مكتبة "كتابخانهء آستان قدس رضوي" بمدينة مشهد في إيران تحت الرقم 50.
وبعد أن أسس بابر الإمبراطورية الهندية استفاد من الفنانين الفرس كثيراً. وكان الخطاطون على رأس هؤلاء الفنانين. ولذلك فإن البابريين أبدعوا في أعمالهم بتأثير من الفرس. وحكام هذه الإمبراطورية كافة اهتموا بالخط الجميل، ورعوا الخطاطين وشجعوهم. فعلى سبيل المثال كان لجلال الدين أكبر (1556-1650م) -1061هـ] اهتمام كبير بخط الأقلام الستة وبالخط الذي يسمى الغباري(8). وتعلم محيي الدين أورانجزيب الأول (1658-1707م) 1068-1119هـ] خط الأقلام الستة من الخطاط المدعو سيد علي. وطلب من أولاده الأمراء تعلم هذا الخط. كما أن الحاكم الأخير بهادر شاه (1837-1858م) 1253-1274هـ] كان أستاذاً بارعاً في خط النسخ وفي كتابة الطغراء، وقد استمر فن الخط في الهند المسلمة بعد ذلك.
فترة العثمانيين
وبعد أن رأينا الوضع في الشرق، يجدر بنا الآن أن ننتقل إلى الطريق الذي سارت فيه الأقلام الستة في الغرب؛ أي: في الأناضول، والتطور الذي شهدته، فبعد أن اتبع الخطاطون الأتراك أسلوب ابن البواب في عهد سلاجقة الروم (1077-1307م) 469-707هـ] في القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين (القرنين الخامس والسابع الهجريين)، قاموا في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري) بانتهاج مدرسة ياقوت.
وقبل فتح إستانبول (1453م) 857هـ] نجد تطور الخط في مدينتي آماسيا وأدرنة، ونلحظ ظهور خطاطين أقوياء بحسب عصرهم في تلك المدينتين. وقد وُفق الخطاط التركي الشيخ حمد الله - الذي وُلد في آماسيا، وعاش في عهدي محمد الفاتح وبايزيد الثاني - إلى ابتكار اتجاه جديد في الخط الإسلامي.
أ - مدرسة الشيخ حمد الله وبداية الكلاسيكية
كان الشيخ حمد الله (1436-1519م) 839/840-925هـ] في البداية يقلد أسلوب ياقوت المستعصمي، وأثناء ذلك اكتشف موهبته واستعداده الفطري، فطور خطه بتشجيع من صلى الله عليه وسلم السلطان] بايزيد الثاني الذي تتلمذ على يديه فترة من الوقت. وكان السلطان يريده أن يخط خطاً أجمل من خط ياقوت المستعصمي. فوفق في نهاية المطاف من إزالة مفهوم ذوق المستعصمي الجمالي - الذي استمر مدة مئتين وخمسين سنة - بأن وضع مقاييس رياضية، وحوّل المظهر القاصر للخط لدى المستعصمي إلى مظهر جميل. فإضافة إلى تجاوزه للتشريح الجمالي الذي أتى به ياقوت، فقد استطاع أن يضفي على الشكل الجمالي للحروف (ثبات الحروف) نوعاً من الجمال.
إن الشيخ حمد الله يعد أبا للخطاطين الأتراك؛ فهو من ناحية مؤسس المدرسة التركية في خط الأقلام الستة، كما أنه مؤسس المدرسة التركية الكلاسيكية في الخط من جهة أخرى. ففي مجال الخط انتقلت صناعته في العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري) إلى مرحلة جديدة على يديه، وهي الفترة التي لقي فيها فنُّه القبول من الجميع. وفي الوقت الذي استمر فيه الخط في العالم العربي وفي إيران ينتهج أسلوب مدرسة ياقوت ذات المفهوم الفني المحدود والقاصر فإن ساحة الأناضول قد شهدت تطوراً كبيراً، وفقدت بغداد التي كانت حتى ذلك التاريخ مركزاً للخط أهميتها، وباتت إستانبول مركزاً للخط.
ب - مدرسة أحمد قره حصاري
أسس أحمد قره حصاري، وهو أحمد شمس الدين (1469 - 1556م) 873 - 963هـ] من مدينة آفيون قره حصار، مدرسة يطلق عليها مدرسة أحمد قره حصاري، أو مدرسة قره حصاري. وكان بدأ حياته الفنية في عهد بايزيد الثاني، فأدرك بلا شك عهد سليم الأول وعهد صلى الله عليه وسلم سليمان] القانوني، وترك لنا آثاراً خالدة لا تنسى.
عُرف هذا الخطاط بين الخطاطين بلقب قره حصاري مجرداً، ولا نعلم متى قدم إلى إستانبول، وعلى يد من تعلم الخط في البداية. إلا أنه خلد في ذيل الكتابات التي خطهـا اسم شيخـه أسد الله الكرماني. ويبدو أنه تعلم الخط منه أثناء وجود هذا الخطاط في الأناضول (وربما أثناء قدومه إلى إستانبول). وكان هذا الشخص متبعاً لمدرسة ياقوت المستعصمي. وبما أن قره حصاري كان من تلاميذه، فقد اختار الأسلوب ذاته، إلا أن أحمد لم يكتف بتقليد ياقوت وتتبع أسلوبه؛ بل تفوق عليه. ولقد طوّر الحيوية التي استطاع ياقوت إيجادها نسبياً، وسلك منهجاً مختلفاً عن المدرسة التي أسسها الشيخ حمد الله؛ إلا أنه بسبب تفوقه في فنه، فقد عدّ أحد الخطاطين السبعة الكبار في الأناضول في القرن السادس عشر الميلادي (القرن العاشر الهجري).
ج - مدرسة الحافظ عثمان
حصل حافظ عثمان، وهو من إستانبول (1641-1698م) 1051-1110هـ] على الإجازة صلى الله عليه وسلم في الخط] - وكان في الثامنة عشرة من عمره - من مصطفى أيوبي أفندي صيولجو زاده. وتربى في شبابه في كنف العالم الوزير فاضل مصطفى باشا كوبريلي زاده. وأصبح مُعلّماً للخط للسلطان مصطفى الثاني عام 1694م 1105هـ]، ثم السلطان أحمد الثالث الذي كان أميراً حينئذ.
وعلى الرغم من أن الحافظ عثمان استفاد من ثلاثة خطاطين كبار، فقد محّص كتابات الشيخ حمد الله أيضاً، فاختار من بينها الحروف التي أعجبته، وجعلها حروفاً مثالية؛ أي: أنه أكمل نواقص الشيخ حمد الله. أو بعبارة أخرى: إنه أزال تأثيرات ياقوت المستعصمي لدى الشيخ، وأوصل الأقلام الستة إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه من حدود الجمال. ويعدّ الشيخ حمد الله بداية العهد الكلاسيكي في الخط، أما الحافظ عثمان فهو عهد الكمال والنضوج لتلك المدرسة الكلاسيكية. ويتبع الخطاطون أسلوبه منذ القرن الثامن عشر الميلادي (القرن الثاني عشر الهجري)، بل حتى إلى يومنا هذا. كما أن الخطاطين العرب أيضاً ينتهجون نهج مدرسته.
وغني عن البيان أن نقول: إن الخطاطين في منطقة الروملي(9) من البلاد التابعة للإدارة العثمانية، كانوا تابعين في فن الخط لإستانبول. ومنها مدينة شومنو(10) التي كانت مركزاً ثقافياً مهماً فيها، وعدا أنها كانت مركزاً عسكرياً، فقد باتت مركزاً للخط خلال مدة تجاوزت ستمئة سنة.
وأهمية هذه المدينة في فن الخط تكمن في توفير حاجة بلغاريا أولاً ثم ولايات الروملي الأخرى وإستانبول من نسخ المصحف الشريف. وتنقسم مدرسة الخط الجميل في شومنو إلى مرحلتين: ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري)، وما بعده. وقد انتهج الخطاطون في المرحلة الأولى نهج خطاطي إستانبول من خلال آثارهم التي استطاعوا رؤيتها. أما في المرحلة الثانية فقد تقدم فيها الخط وتطور هناك. وكان لتوجه السلطان محمود الثاني إلى شومنو؛ بغية الوقوف على الخراب الذي خلفه الاحتلال الروسي، ولرفع معنويات الأهالي، تأثير في تطور الخط. وكان السلطان نفسه خطاطاً أيضاً. وبناءً على طلب خطاطي هذه المدينة، فقد أرسل إليهم إبراهيم شوقي الخطاط المشهور في إستانبول. وقد علّم هذا الخطاط العديدين من الخطاطين في بلغاريا. ويذكر "سهيل أونْوَر" أسماء قرابة ثلاثين خطاطاً ممن نشؤوا في تلك البلاد في ثنايا المقال الذي نشره عن خطاطي شومنو.
جلي الأقلام الستة
إن خط جلي الأقلام الستة من الموضوعات التي يجب الوقوف عندها. والجلي مصطلح في الخط، يقصد به النمط الأعرض التالي لأي مقياس معين في كل نوع من أنواع الخطوط.
وبناءً على وجود مقاييس محددة للأقلام الستة، ومجالات استخداماتها المعينة، فقد سبق أن ذكرنا أن خطي المحقق والثلث ونادراً خط النسخ، لها شكل الجلي. أما الخطوط الثلاثة الأخرى (الريحاني والتوقيع والرقعة) فليس لها خط الجلي. وبناءً على ذلك ونظراً لكون خط الجلي المحقق يأخذ حيزاً كبيراً، فقد تُرك وتخلي عنه في البلاد الإسلامية كافة منذ القرن السادس عشر الميلادي (القرن العاشر الهجري)؛ ولذلك فقد اتجه الخطاطون بكل ما أوتوا من قوة إلى خط جلي الثلث (أما جلي النسخ فيستخدم أحياناً في الحُلي). وليس هناك فرق بين حروف الثلث وحروف جلي الثلث من حيث المظهر والشكل والبناء. ولذلك فإن خط جلي الثلث ليس نوعاً من أنواع الخطوط، بل هو الشكل الضخم لخط الثلث ذاته.
وفرق آخر موجود بينهما هو أن الصف المتراص في جلي الثلث يأتي دائماً في المقدمة. وفي خط الثلث - بشكل عام - يكتب في حالة سطر؛ أي: أن تكتب الحروف والكلمات بشكل متعاقب، وتتبع بعضها بعضاً؛ فإن الجلي يركز في صف الحروف والكلمات. ويقصد بالصف هنا أن تكون الحروف والكلمات متراصة بعضها فوق بعض، ضمن قاعدة؛ ولكن في صورة لا تشكل صعوبة في قراءة النص أو العبارة.
ومع أن جلي الثلث استخدم في اللوحات، إلا أنه وجد ساحة انتشاره أكثر في المباني المعمارية. فقد استخدم بكثرة على الأبواب والكتابات صلى الله عليه وسلم شواهد القبور]، وداخل القباب، وعلى الجدران، بحيث أصبح يشكل انسجاماً تاماً مع الخصائص المعمارية لتلك المباني، وأسهم بذلك في جمالها.
والحقيقة أنه مع زوال العباسيين من على ساحة التاريخ في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري)، في عام (1258م)656هـ]، وبعد وفاة ياقوت في عام (1298م) 697هـ] فإن خط الأقلام الستة قد شهد تطوره وارتقاءه بجهود الخطاطين الأتراك والفرس. إلا أن الفرس وعلى الرغم من أنهم اتبعوا مدرسة ياقوت، فإن الخطاطين الأتراك وبفضل الجهود التي بذلوها قد تقدموا في خط الجلي أيضاً مثلما أحرزوا تقدماً في خط الأقلام الستة. وإذا كان من الضروري تلخيص ذلك فإنه باستثناء تركيا، لم يسجل أي تطور جدير بالذكر في هذا الخط في العالم الإسلامي، ما عدا باي سنغور (ت 1434م) 838هـ] حفيد تيمور، الذي عاش في إيران في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري)، فهو من كبار الخطاطين الأتراك في عهد الدولة التيمورية. والمصحف الشريف الذي كتبه بخط المحقق، وطوله 169سم، وعرضه 105سم، هو أكبر مصحف كتب حتى اليوم. وتلفت هذه المخطوطة، ولم يصلنا منها إلا خمس عشرة صفحة فقط. سبع صفحات منها توجد اليوم في مكتبة "كتابخانهء آستان قدس رضوي" بمدينة مشهد في إيران. ولباي سنغور أيضاً الكتابة الموجودة على واجهة الجامع الكبير، الذي بنته والدته "جوهر شاد".
وهناك حفيد آخر لتيمور، وهو أولوغ بك، اشتغل بالخط أيضاً. ولقد تقدمت الأقلام الستة وجليها والنستعليق في إيران في عهد سلطنة التيمورصلى الله عليه وسلم يين]، في فترة مئة وأربعين سنة، أي من عام (1370م) 771هـ] وحتى عهد حسين باي قره. ومن نافلة القول: إن قسماً كبيراً من الخطاطين كانوا من أصول تركية. وعلى الرغم من أن المصادر في الواقع لا تذكرهم بأنهم أتراك، إلا أن حملهم لقب "التبريزي" يشير إلى أن أصولهم تركية. وحتى اليوم في آذربيجان بإيران] فإن من لم يذهب إلى المدرسة فإنه لا يلم بالفارسية.
واستمر التطور الذي شهده الخط - حتى في عهد الصفويين - كما كان في عهد التيموريين، ورضا عباسي التبريزي الذي عاش في عهد شاه عباس الأول في القرن السابع عشر الميلادي (القرن الحادي عشر الهجري) (وكان حياً عام 1629م) صلى الله عليه وسلم 1038هـ] قد أظهر مهارة في خط جلي الثلث، تقارب الخطوط العثمانية.
استمر التطور في خط الجلي بطيئاً مدة ثلاثمئة وخمسين سنة، من عهد سلاجقة الروم (1077م) صلى الله عليه وسلم 469هـ] وحتى عهد السلطان لعثماني] محمد الفاتح 857هـ/1453م]. وقد بدأ خط الجلي في التطور مثل غيره من الخطوط في عهد السلطان محمد الفاتح. وكما يتضح لنا من الآثار المعمارية المبنية في مدينتي بورصا وأدرنه، فإن خط جلي الثلث السلجوقي بدأ يفقد تأثيره بعد فتح إستانبول، تاركاً مكانه لأسلوب جديد، تطوَّر في ظل مفهوم جديد للفن. وإذا أردنا أن نفصح عن اسم هذا الأسلوب الجديد في تاريخ الخط التركي، فلا شك في أننا نطلق عليه خط "جلي الثلث العثماني".
ونصادف النماذج الجميلة الأولى من خط جلي الثلث العثماني في عهد السلطان محمد الفاتح، ولذا نجد أن بداية تطور تاريخ هذا الخط تقريباً هو عام (1453م) 857هـ]. وسجل هذا الخط تطوراً بطيئاً بعد هذا التاريخ، وحتى عام (1800م) 1215هـ]، وهو تاريخ نضوج هذا الخط. وقد أسهم الخطاطون المعلمون الذين نشؤوا في هذه الحقبة في فترات متباعدة في الرقي بجمال الخط، وساعدوا على إكمال نواقصه. إضافة إلى قيام كل واحد من هؤلاء الفنانين الكبار باتباع قواعد الخط التي أصبحت عامة، وكانوا يعكسون أيضاً نظرتهم الشخصية ومهارتهم في الخط. وهذه النقطة بالذات أدت إلى تطور الخط كثيراً؛ أي: أن الخطاطين في فترة التطور هذه كانوا في حالة بحث دؤوبة، وكانوا يتقدمون في كل يوم إلى الأمام نحو نقطة تشفي غليل صدورهم في يوم من الأيام، أو بالأحرى كانوا يتقدمون نحو القواعد المثالية للخط. وهذا البحث والجهد الحثيث الذي بذل في سبيل تحسين خط جلي الثلث، قد استمر حتى ظهور الخطاط التركي مصطفى راقم؛ أي: إلى بداية القرن التاسع عشر الميــلادي (الثالث عشر الهجري). فبعــد أن بلــغ هــذا الخطــاط بخط جلي الأقلام الستة إلى كمالهــا، بدأ الخطاطون الأتــراك قاطبـة باتباع مدرسته التي وضع أسسها، وما زال الأمر على ما هو عليه حتى اليوم.
وقد اتبع الخطاطون العرب أيضاً أسلوبه بدءاً من القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري). إلا أنه لم يتطور في شمال أفريقيا، في فاس والجزائر وتونس. لكنهم الآن بدؤوا في تقليد الأسلوب التركي في خط جلي الثلث والأقلام الستة. أما أتراك آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان فقد بقوا تحت تأثير مدرسة خط جلي إيران. ونرى اليوم الخطاطين الباكستانيين يبدعون آثاراً متأثرين بأسلوب الجلي التركي، رويداً رويداً؛ أي: متأثرين بأسلوب مصطفى راقم.
ولنقل أخيراً - وكما جاء في مقولة قديمة - فإن القرآن الكريم نزل في مكة المكرمة، وقرئ في مصر، وكُتب في إستانبول.
خط النستعليق
يلفت هذا الخط - الذي عرف لدى العثمانيين باسم خط التعليق - النظر برفعته ومظهره الظريف، وقد بدأ في التطور في غرب إيران، في منطقة أذربيجان، التي يقطنها ذوو الأصول التركية. وظهر هذا الخط على مسرح التاريخ بعد خط الأقلام الستة، واستخدم - بشكل خاص - في كتابة الدواوين الشعرية.
نصادف نماذج بدائية لخط النستعليق في القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري). وبدأ هذا الخط يبرز أكثر في القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري)، وظهر بجميع خصائصه وقواعده في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري). وقد حدد قواعده مير علي التبريزي (ت 850هـ/ 1446م)، وهو من أتراك تبريز، تابعه ابنه مير عبدالله، وتلميذه ميرزا جعفر التبريزي (ت 856هـ/1452م) الذي بدأ يطوره، ويدفع به بيده الماهرة. وسلك أزهر التبريزي (ت 880هـ/1475م) نهجهم، فدخل خط النستعليق طريق الجمال. كما أن مير علي الهروي (ت 951هـ/1544م)، وهو تركي الأصل أيضاً، وكان يقرض الشعر بالتركية، قد أضفى على هذا الخط جمالاً وذوقاً يعجب الناظرين. وأخيراً فإن مير عماد القزويني (ت 1024هـ/1615م) قد أوصل خط النستعليق إلى الذروة.
وكما اتضح مما سبق، فإن التيموريين والصفويين الذين حكموا في إيران وما وراء النهر، ساعدوا كثيراً على تطور الثقافة التركية والإيرانية. وكما رعوا كتابات الأقلام الستة، فإنهم رعوا أيضاً خطاطي النستعليق. وقد خلدت أقلام الفنانين الأتراك والفرس الآثار الأدبية الفارسية والتركية. وعلى سبيل المثال فإن سلطان علي المشهدي (ت 1520م) 925هـ] قد لقي الحفاوة والتكريم في قصر الحاكم التيموري حسين باي قره، وخط مؤلفات الشاعر التركي المشهور علي شير نوائي والشاعر الفارسي الملا جامي. كما أن مير علي الهروي، خدم في الدولة الشيبانية ذات الأصل الأوزبكي، بعد حسين باي قره. وكان يوجد العديد من الفنانين الأتراك في المعمل الذي أقامه حفيد تيمور "باي سنغور"، في قصره في هرات.
ونعلم أن العديد من الخطاطين - ذوي الأصول التركية - عاشوا في العهد الصفوي. ومنهم "إبراهيم ميرزا" (ت 984هـ/ 1576م) حفيد شاه إسماعيل الأول، حيث كانوا يكتبون النستعليق بشكل جميل. وممن اشتغل بخطي النستعليق والنسخ كل من طهماسب الأول، والشاه الصفوي الرابع إبراهيم خان (حكم: 1578-1588م) 986-996هـ] الذي عرف بلقب السفير. يضاف إلى ذلك أن الحاكم التركي محمد ميرزا قاجار (ت 1290هـ/1873م)، الذي ينتمي إلى أسرة القاجاريين الحاكمة ذات الأصول التركية، وهو حفيد فتح علي شاه القاجاري، حيث كان ماهراًً في خط النستعليق.
وما زال يوجد حتى اليوم خطاطون من أصول تركية في إيران. ولقد سبق لي أن تعرفت شخصياً على بعض من الخطاطين الأتراك أثناء دراستي للماجستير في قسم اللغة الفارسية والآداب بجامعة طهران عام (1949-1952م) 1368-1371هـ].
وعلى الرغم من أن خط النستعليق قد لقي رواجاً في خارج إيران أيضاً - لدى أتراك أفغانستان وآسيا الوسطى - إلا أننا لا نملك معلومات كافية عن تلك المناطق. ومع أن أفغانستان ليست غريبة عنا في تاريخ الخط، إلا أن الأسماء الشخصية هي أسماء إسلامية، فأصبحنا مترددين. أما في الهند فنجد أن الخط اقتصر على محيط القصر.
ومن أشهر الخطاطين الذين عرفناهم: سلطان الهند شاه جهان (حكمه: 1628-1657م) 1037-1068هـ] وابنه دارا شكوه شاه شجاع (حكمه: 1657-1658م) 1068-1069هـ]، وزيب النساء بيكوم (ت 1700م) 1112هـ] (ابنة شاه نواز من الصفويين)، ابن دارا شكوه محمد سليمان شكوه، محمد شاه كوركاني (حكمه: 1719-1748م) 1131-1161هـ]، بهادر شاه الثاني (حكمه: 1837-1858م) 1253-1274هـ].
خط النستعليق لدى العثمانيين
أدى وجود العلاقات السياسية بين العثمانيين وحكام قره قيونلي في أذربيجان وحكام آق قيونلي في الأناضول، إلى انتقال خط النستعليق إلى تركيا صلى الله عليه وسلم الأناضول] في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري). وتداولت الأيدي المخطوطات، خاصة أن العلاقات الحميمة مع إيران في المجالات الأدبية، وبداية توسع الحدود الجغرافية في عهد السلطان محمد الفاتح أدى ذلك كله إلى توجه أنظار العالم الإسلامي نحو إستانبول، يضاف إلى ذلك فتح باب القصر العثماني للفنانين الإيرانيين، ونتج عنه انتشار هذا النوع من الخط في عهد السلطان محمد الفاتح. وقد انتقل بعض الخطاطين المشهورين من منطقة] آذربيجان وأصفهان بإيران] إلى إستانبول وأقاموا بها، وكتبوا كتابات للسلطان ونسخوها.
ولخط النستعليق مدرستان: إحداهما مدرسة النستعليق الإيرانية. وثانيتهما مدرسة النستعليق التركية. وإذا استثنينا تركيا، فإن البلاد الأخرى ما زالت تابعة للمدرسة الأولى. وبقي الخطاطون الأتراك تحت التأثير الإيراني حتى القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري)، ثم وجدوا أسلوباً جديداً موافقاً لنظرتهم الشخصية وفهمهم للفن، وانفصلوا عن مدرسة النستعليق الإيرانية. وبفضل ريادة الخطاط يساري، والجهود التي بذلها ابنه يساري زاده، فقد نشأت في تركيا مدرسة جديدة باسم مدرسة خط النستعليق التركية.
لقد سار الخطاطون العثمانيون الأتراك في المرحلة الأولى حتى زمن الخطاط يساري زاده على نهج الفرس والفنانين ذوي الأصول التركية.
ولقد بدأت المرحلة الثانية في إيران عندما ظهر إلى الساحة الخطاط المشهور مير عماد، واختار أسلوبه خطاطو الأناضول منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي (القرن الحادي عشر الهجري)، وقد تتلمذ على يديه أساتذة مهرة متميزون لا يمكن أن تسع مقالة مختصرة كهذه الحديث عنهم، ومنهم: أحمد سياهي (ت 1688م) 1099هـ]، وعبدالباقي عارف (ت 1713م) 1125هـ]، وأحمد دورمش زاده (1716م) 1128هـ]، ودده زاده (ت 1760م) 1173هـ]، وولي الدين (ت 1786م)1200هـ]، ومحمد رفيع كاتب زاده (ت 1769م) 1183هـ]، وأشهرهم يساري محمد أسعد (ت 1798م) 1213هـ] الذي كان فاقداً ليده اليمنى من الولادة، وهو والد يساري زاده مصطفى عزت، الذي أسس مدرسة خط النستعليق التركي. فهذه أسماء بعض من المشهورين منهم. ويجب علينا أن نقول دون أي مبالغة: إن الخطاطين العثمانيين الأتراك قد تفوقوا حتى على صلى الله عليه وسلم مير] عماد. ولذلك فقد أطلق عليهم لقب "عماد الروم"؛ أي: عماد الأناضول.
والمرحلة الثانية من خط النستعليق العثماني بدأت في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري)، من خلال الأسلوب الجديد الذي وضعه يساري زاده ابن يساري محمد أسعد المذكور آنفًا. ويطلق على هذا الأسلوب (أو المدرسة) أسلوب يساري زاده مصطفى عزت. وباختصار يمكننا القول: إن التزاحم الموجود في أسلوب إيران؛ أي: أسلوب عماد، وكتابة الحروف بمقاييس مختلفة إلى حد ما، يقابله في الأسلوب التركي تميزه بالانشراح والقواعد الثابتة، وهذا الأسلوب هو السائد اليوم في تركيا.
ومن أشهر الأسماء في هذه المدرسة: إسماعيل حقي قبرصي زاده (ت 1862م) 1279هـ]، وعلي حيدر بك (1870م) 1287هـ]، وقاضي العسكر مصطفى عزت (ت 1876م) 1293هـ]، وسامي أفندي (1912م) 1330هـ]، ونظيف بك (1913م) 1331هـ]، وعمر وصفي (1928م) 1347هـ]، ومحمد خلوصي (ت 1940م) 1359هـ]، ونجم الدين أوك ياي (ت 1976م) 1396هـ]، وحليم أوز يازجي (ت 1964م) 1384هـ]، وحامد الآمدي] آيتاج (1982م) 1402هـ].
ويدرّس هذا الخط مع الخطوط الأخرى اليوم في جامعتي معمار سنان وجامعة مرمره الواقعتين في إستانبول] بواقع مقرر دراسي واحد، مع تطبيقاتها العملية.
الخطوط التي اخترعها الخطاطون الأتراك العثمانيون:
الخط الديواني
يسمى هذا الخط بالديواني؛ لأن المكاتبات الرسمية للدولة وقراراتها والبراءات والأوامر السلطانية كلها كانت تصدر من الديوان السلطاني (ديوان همايون) الذي يقابل اليوم مجلس الوزراء؛ ولذلك أطلق على الخط المستخدم في مثل هذه الأعمال في الديوان اسم الخط الديواني. ويبدو أن هذا الخط اخترعه الأتراك مستلهمين الخط الذي يطلق عليه خط التعليق، المستخدم في إيران حتى القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري).
ونصادف أقدم نماذج الخط الديواني في عهد السلطان محمد الفاتح. وكما يتضح من هذه النماذج المبكرة، فإنه كان يكتب بشكل تقليدي مجرد من الزخرفة، لكن مع مرور الأيام دخل في وضع معقّد مختلط، وفي هذا الخط نجد اتصال الحروف المنفصلة، واستخدام الحروف على نحو مختلف عن استخدامها المعتاد، وذلك لمنع قراءة المتن من قبل أي شخص. وبمرور الزمن تطور الخط الديواني، ووصل إلى أجمل أشكاله في دوائر الدولة بالباب العالي في القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري).
خط جلي الديواني
وإن كان يقصد به ما يكتب من الديواني بحجم عريض، إلا أن هناك فروقاً بينه وبين الخط الديواني. وهو مثل الديواني لا يُعرف متى اخترع ومن اخترعه. وجلي الديواني - الذي تكتب حروفه متراصة بعضها مع بعض ومزركشة - قد وصل إلى قمة جماله في دوائر الباب العالي وإداراته. وهو يكتب أكبر من الخط الديواني، وإملاؤه متداخل. ويحرص الخطاط على عدم بقاء فراغ بين الحروف والكلمات؛ لذا تشغلها علامات القراءة والزخرفة الموجودة في الأقلام الستة. وخطاطو هذين النمطين من الخط غير معروفين بشكل عام.
خط الرقعة
إن خط الرقعة الذي اخترعه الخطاطون الأتراك العثمانيون، هو صورة مصغرة قليلاً من بعض حروف الخط الديواني المنصوبة، المتجردة من الزخرفة، مع التخفيف من الأقواس والميول. وتدويره قليل، وانبساطه كثير، وخال من الحركة. وهذا الخط المسمى بالرقعة سهل الاستخدام، ولا شك أنه سريع أيضاً. وقد نشأ وتشكل في الديوان الهمايوني بالقصر السلطاني، وكان يستخدم - بشكل عام - في المكاتبات والمسودات والمراسلات، وفي المراسلات اليومية الرسمية منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر الهجري).
وأقدم نموذج اطلعنا عليه يُظهر لنا أن خط الرقعة تكوَّن من خط الديواني، في الوثيقة التي تتحدث عن الواردات الموقوفة على مكتبة أحمد الثالث بقصر طوب قابي، الصادرة في 10 ربيع الأول 1136هـ/ 12 ديسمبر 1723م. (وهذه الوثيقة معروضة على الجمهور في مكتبة أحمد الثالث).
لقد نشأ خط الرقعة أولاً في الديوان السلطاني، وتطور كما هي الحال في الخطين السابقين المذكورين أعلاه، في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي (القرن الثالث عشر)، في إدارات الباب العالي، ولذلك سمي: رقعة الباب العالي. وأحجام الحروف المستوية والقائمة في هذا الأسلوب قصيرة، ويمكن كتابة الحروف المنفصلة، مثل: الألف، والراء، والواو، متصلة مع ما بعدها من الحروف.
وحدثت الحملة الثانية في تحسين خط الرقعة على يد أستاذ الخط في معهد غلطه سراي "محمد عزت أفندي" (ت 1903م) 1321هـ]. حيث أتى بمقــاييس قطعيــة للحروف، كما أضفى عليها - بشكل عام - الانشراح، وجعل بذلك الرقعة خطاً من الفنون.
واستخدمت في جميع البلاد العربية والروملي هذه الأنواع الثلاثة من الخطوط ما عدا إيران والبلاد الإسلامية الواقعة في شرقها.
الدارة - العدد 1 - السنة 1428هـ .
بواسطة : حسن الزهراني
 0  0  3.0K
التعليقات ( 0 )
أكثر
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:06 مساءً الخميس 28 مارس 2024.
Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

RESHTI.COM 18/05/2007 - 2023 للتواصل : 00966560077773 / reshti@reshti.com